غالبًا ما نتجاهل إلى أي مدى يمكن لعملنا أن ينعكس على حياة الناجين وحتى أن يكون له تأثير على كيفية تعافيهم.

ويرتبط العنف الجنسي المرتبط بالنزاع بمستويات عالية من الإصابات النفسية والجسدية. وتجلب آثار الصدمة الجنسية معها عادة مشاعر قوية بالانفصال، حيث يشعر الناس بالانفصال عن أنفسهم – الشخص الذي كانوا عليه قبل حدوث كل هذا – وعن الآخرين. ومن الممكن أن يترك احتمال أن يؤدي العنف الجنسي المرتبط بالنزاع إلى قطع العلاقات مع المجتمع الأوسع الناجين معزولين ولديهم فرص أقل للحصول على الدعم.

من ناحية أخرى، يبدو التعافي في جزء كبير منه على العكس من ذلك. ويحدث ذلك من خلال إعادة الاتصال، عندما يعتقد الأشخاص أنه من الممكن مرة أخرى أن يعتني بهم الآخرون ويحترمونهم.

بصفتنا عاملين في مجال الإعلام، فإن دورنا ليس مداواة الأفراد – وسيكون من الحكمة والمراعاة أن نفترض أن عملنا سوف يمنح الناجين التمكين بطريقة شخصية مباشرة – لكننا بحاجة إلى الحرص على ألا نضيف إلى قوى الانفصال تلك بشكل غير مقصود. تضع جينا مور، الصحفية الأمريكية التي تعمل في شرق إفريقيا، الأمر على النحو التالي:

 “يجب أن نتأكد من عدم وجود أي شيء في القصة التي سننشرها – خلال أيام أو شهور

أو سنة – يفاجئهم أو يحرجهم أو يخجلهم أو يعرضهم للخطر… نكرر تفاصيل قصة صدمة مع الناجين للتأكد من فهمه لما سيعرفه العالم عنهم”.[a]

تؤدي الرسائل التي نرسلها إلى الجماهير أيضًا دورًا مهمًا هنا. وفي كل مكان تكون مناقشة الصدمة الجنسية مشحونة بالأساطير والوصمة والصور النمطية غير المفيدة. ويمكننا إما ترسيخها أو فضح زيفها – لا يكون الصحفيون والمخرجون متفرجين محايدين في هذا الأمر.

لهذا السبب من المهم للغاية التعامل الكامل مع السياق السياسي والاقتصادي والثقافي للنزاع.

خطر الضياع في أحد جوانب القصة

يتخذ العنف الجنسي المرتبط بالنزاع أشكالاً مختلفة، لكن غالبًا ما تكون السمة اللافتة للنظر هي الوحشية المطلقة. وبصفتك صانع أفلام أو صحفيًا يعمل على هذا الموضوع، قد تواجه رغبة قوية ومفهومة تمامًا لصدمة الجمهور بأسوأ ما سمعته – على أمل أن يجعلهم هذا يستفيقون.

لكن الخطر هنا هو أن هذا قد يتسبب في حدوث العكس. فمن الممكن أن يجبر التركيز المفرط على الرعب والتفاصيل المتعلقة بالعنف الجنسي الجمهور على الانغلاق والانفصال بطرق قد تقلل حتى من التعاطف مع الأشخاص المتضررين من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. ولا توجد معلومات جوهرية كافية ولن يفهم الجمهور طبيعة هذه الجرائم وما هو على المحك.

بالنسبة لستيفاني كاريوكي، من خلال العمل على بودكاست لصالح Vice والذي استكشف العنف الجنسي في مصر ودور الحكومة المعقد في استمراره ، تتطلب هذه القرارات موازنة دقيقة:

كان هناك الكثير من الجدل المتكرر للتوصل إلى أكبر قدر من التفاصيل؟  لماذا نعطي التفاصيل، هل هي ضرورية حقًا؟ … ففي في حالة امرأة واحدة وضعها الفاحصون الطبيون في عدة وضعيات التي عكست الإساءة الأصلية و تعرضت لفحص المهبل بتكرارية أربع مرات و هي عارية. هذا أمر صريح للغاية لقوله – وأربع مرات هو رقم مرتبط به. التسجيل الصوتي الذي استخدمناه صريح و لكن ويرجع السبب في أننا ندخل في أكبر قدر من التفاصيل كما نفعل إلى أن هذا الفحص الذي تمر به يعد رمزًا لما كانت الدولة تفعله للنساء لعقود في هذه المرحلة.[b]

في الواقع، تتطلب الكتابة الفعالة عن الصدمة تقديرًا لكيفية موازنة مجموعة من القضايا التي تتعارض مع بعضها البعض. على سبيل المثال:

• ما مقدار الأذى والعجز وفقدان السيطرة الذي يجلبه العنف الجنسي المرتبط بالنزاع على حياة الناس؟ أو إلى أي مدى يتعلق الأمر بالمقاومة والتعافي – ما الذي يتطلبه الأمر ويستمر في تطلبه من أجل البقاء؟

مهما بدا الموقف قاتمًا وكئيبًا، فإن لدى الناجين أشياء إيجابية تحدث في حياتهم. وليس من الدقيق ولا المفيد إعادة الشعور بالرعب والعجز المطلق إلى الأشخاص.

• إلى أي مدى يتعلق الأمر بالتجربة الشخصية الفردية لشخص ما ومدى أهمية السياق الأوسع – خاصة الوضع السياسي والاجتماعي؟

لا يوجد تركيز كافٍ على السياق الأوسع وتوجد مخاطرة بأن يتحول الموضوع إلى قصة اهتمام إنساني من نوع غريب ومثير للقلق – قصة تفتقر إلى أي هدف حقيقي وتقدم للجمهور القليل من الفهم لما يحدث وأين قد تكمن الحلول. ولا يحدث العنف الجنسي المرتبط بالنزاع من فراغ – كموضوع لا يمكن فهم الاغتصاب في الحرب دون الرجوع إلى القوى التي تدفع النزاع.

لكن القليل من الاهتمام بالأفراد وظروفهم الشخصية قد يتسم أيضًا بعدم الاحترام، لأنه قد يعطي الانطباع أن شخصًا ما تم تضمينه فقط لتوضيح إحصائية معينة.

التغلب على التوترات المتنافسة

سوف تتطلب كل حالة سلسلة مختلفة من التوازنات. وغالبًا ما يكون الحصول على رؤية واضحة لهذا الأمر معقدًا لأن العنف قد ينطوي على تأثير ساحر ويجرنا إلى مكان يبدو فيه الباقي غير ذي صلة. ويميل المحتوى الصادم التهديدي إلى تعزيز التفكير الثنائي: من السهل جدًا أن تتعثر في التفاصيل أو الجوانب المحدودة.

فيما يلي قائمة تحقق قصيرة يجب مراعاتها عند الكتابة أو التحرير:

• هل يبتعد هذا كثيرًا عن الوصف الرسومي للطبيعة الجسدية أو الحميمة؟
• هل توجد إشارات إلى جسد شخص ما ومظهره وملابسه، وما إلى ذلك، من شأنها المخاطرة بإضفاء الطابع الجنسي على الوصف (وحتى التأييد عن غير قصد لدوافع الإيذاء)؟
• هل تتنبأ روايتي بالدمار المستقبلي لفرد أو مجتمع؟ مهما بدت الأمور قاتمة، فمن غير الدقيق والمؤذي الإشارة إلى أن التعافي مستحيل. (إذا كنت تواجه صعوبة في رؤية أي شيء خلف الظلام، فاسأل نفسك من الشخص الذي يقف وراء الإيذاء؟ من أين يحصل على الشجاعة والدعم؟)
• أو كبديل، هل أنحرف بعيدًا في الاتجاه المعاكس وأُدخل نبرة من التفاؤل الزائف في محاولة لتخفيف الوضع اليائس بشكل مصطنع؟ وبصرف النظر عن المشكلة الواضحة في الدقة، فإن الصحافة التي تبالغ في التمكين قد تنفر الأشخاص الذين لا يتعرفون على ظروفهم في الوصف.
• إذا تضمنت مقالتي أصوات الجناة والناجين، فهل هناك شيء في معالجتي للسرد يركز على وجهات نظر المعتدين أو يضخم سلطتهم؟ (فهم هذا بشكل صحيح معقد. وقد يكون فصل هذه الأصوات إلى تقارير منفصلة أكثر وضوحًا.)
• هل يركز حسابي على الاغتصاب مع استبعاد الصدمات الأخرى التي يتعرض لها الأشخاص في النزاع؟ ربما شهد الأشخاص مقتل أقاربهم وفقدوا منازلهم وسبل عيشهم. وقد يكونوا لاجئين يكافحون لبناء حياة جديدة. وكل هذه الأمور تهم الأشخاص، وقد لا يفهم الناجون انشغال الصحفي ببُعد واحد فقط من أبعاد خسائرهم.